أيُّ الصدقات يستحب إخفاؤها؟ وأيُّها يستحب الجهرُ بها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...
فلا بُدَّ أن يتوفَّر أولاً في قَبول الصَّدقات عند الله أن يكون إعطاؤها قُرْبَى إلى الله.. وابتغاء وجهه.. وبعيدًا عن المَنِّ بها، والأذى بسببها، أي أن يكون إعطاؤها بعيدًا عن جُرْح إحساس المُعطَى إليه.. وعن الرِّياء بها. وفى ذلك يقول الله - تعالى -: (ومَا تُنْفِقُونَ إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ) (البقرة: 225) أي لا ينبغي أن يكون الإنفاق والإعطاء مقصودًا به غير القُربى إلى الله وطلب رضاه.
وعندئذٍ يستوي عند الله وفى تقديره، وأجره على الصدقة، أن يكون إخراجها سِرًّا.. أو علنًا، يقول الله - تعالى -: (الذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ) أي في ظلام الليل، في غير رؤية من أحد.. أو في وضوح النهار في رؤية العديد من الناس (سِرًّا وعَلاَنِيةً) "أي في خفية.. أو في جهر بها: ليلاً أو نهارًا على السواء (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي لهم الجزاء على مَن أنفقوا، (ولاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 274). أي في دنياهم؛ لأنهم يفعلون الخير لذاته.. ولا يَنقُصون أحدًا من أصحاب الحاجة حقَّه في المال. فهم موضع الرِّضا من الناس. كما أن إعطاءهم المال لوجه الله: دليل على أنَّهم لا يعبدون المال.. وبالتالي لا يحرِصون عليه. فإن خرج من أيديهم بالإعطاء لا يحزنون إطلاقًا على خروجه.. وإن افتقروا لا يحزنون كذلك على ما يُصيبهم من فقر.
وإذا كان الإخفاء في إخراج الصدقة، والجهر بها سواء عند الله مادام قصد بها وجه الله وحده: فإن إخفاءها مستحَبٌّ في إخراج ما عدا الزكاة وحدها؛ ذلك لأنَّ الإعلان عن إخراج الزكاة قدوة لمن تجب عليهم.. بينما الإخفاء في إخراج ما عدا الزكاة.. أبعد عن الرِّياء أمام الناس.. والأذى لمَن أخذ الصدقة. وربَّما يُستفاد ذلك من قول الله ـ تعالى ـ: (إنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فنِعِمَّا هِيَ وإِنْ تُخْفُوهَا وتُؤْتُوهَا الفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة: 271).
والصدقة كما تكون بالمال.. تكون بغيره كذلك. تكون بالعمل.. تكون بمساعدة المضطر.. تكون بالدعوة إلى المعروف.. تكون بالتبغيض في الشَّرّ. يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "على كل مسلم صدقة، فقالوا: يا نبيّ الله فمَن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه، ويتصدّق ـ أي بما زاد عن حاجته من أجرة على العمل ـ قالوا: فمَن لم يجدْ؟ قال: يُعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فمَن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف، وليُمسك عن الشَّرّ فإنّها له صدقة".
والله أعلم.
إسم المجيب أو المصدر: موقع إسلام أون لاين- الشيخ جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله (شيخ الأزهر سابقا)