عندما أقرأ في كتب الفقه أجد النية شرطاً لمعظم العبادات والفروض مثل الصلاة والصوم والحج غير أنني لا أقرأ عن النية في الزكاة ! فهل تشترط النية في الزكاة مثل باقي العبادات أم لا؟؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...
فالمراد بالنية: أن يعتقد المسلم أنه يؤدي زكاته أو زكاة من يخرج عنه، كما أن النية هي الفيصل الذي يميز العبادات والقربات من غيرها.
ومع أن الأمر فيه خلاف حيث يرى بعض العلماء عدم اشتراط النية عند الزكاة إلا أن الرأي الراجح هو رأي جمهور الفقهاء: بأن النية شرط في أداء الزكاة؛ لأنها عبادة، والعبادة لا تصح إلا بنية، لكن يكفي المسلم أن تكون عنده نيِّة عامة بإخراج زكاته.
وإليك تفصيل ذلك فيما ذكره فضيلة الشيخ القرضاوي حفظه الله:
مذهب عامة الفقهاء: أن النية شرط في أداء الزكاة؛ لأنها عبادة، والعبادة لا تصح إلا بنية. قال تعالى: (وَمَا أُمِرُواْ إلا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلاَة وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ) (البينة: 5)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات)، فإذا لم ينو - ولو جهلاً أو نسيانًا - لم يجزه، فإن جهله أو نسيانه دليل أنه أدى المال بدون قصد التعبد والتقرب إلى الله، فهو بهذا عمل ميت، أو صورة بلا روح.
والنية الواجبة إما أن تكون عن نفسه أو عمن يلي على ماله من صبي أو مجنون أو سفيه محجور عليه، بأن ينوي أداء ما وجب في ماله أو في مال محجوره، فإذا دفع ولي الصبي والمجنون زكاة مالهما بغير نية لم تقع الموقع، وعليه الضمان (الروضة للنووي: 2/208).
وخالف الأوزاعي قول الجمهور في اشتراط النية للزكاة، فقال "لا تجب لها النية؛ لأنها دين، فلا تجب لها النية كسائر الديون، ولهذا يخرجها ولي اليتيم، ويأخذها السلطان من الممتنع" (المغني: 2/638).
وقد ردوا عليه بحديث الرسول المشهور: (إنما الأعمال بالنيات) وأداؤها عمل، ولأنها عبادة يتكرر وجوبها، وتتنوع إلى فرض ونفل، فافتقرت إلى النية كالصلاة، وهي تفارق قضاء الدين، لأنه ليس بعبادة، ولهذا يسقط بإسقاط مستحقة، بخلاف الزكاة، فلا يملك أحد إسقاطها عمن وجبت عليه. ولأن مصرف المال إلى الفقراء له جهات من زكاة ونذر وكفارة وصدقة تطوع فاعتبرت نية التمييز.
أما ولي الصبي والسلطان فهما ينويان عند الحاجة.
ونقل عن بعض المالكية: أن الزكاة لا تفتقر إلى نية. أخذًا من قول شاذ في المذهب: أن الفقراء شركاء في مال الزكاة، ووصول الشريك إلى حقه مما بيد شريكه، لا يُشترط له نية، لا نيِّة القابض، ولا نيِّة الدافع. ومن قول أهل المذهب: أن الممتنع من أداء الزكاة تؤخذ منه كرهًا، وتجزئه، مع ظهور المنافاة بين الإكراه والتقرب.
والمعتمد عند المالكية: أن النيِّة شرط في إجزاء الزكاة.
والمراد بالنية: أن يعتقد أنه يؤدي زكاته أو زكاة من يخرج عنه كالصبي والمجنون ومحلها القلب؛ لأن محل الاعتقادات كلها هو القلب (انظر: المغني: 2/ 698، وعند الشافعية وجه في أن النطق باللسان يقوم مقام القلب، والنية الحكمية كافية، كما صرَّح بعض المالكية. فإذا عدّ دراهمه وأخرج ما يجب فيها، ولم يلاحظ أن هذا المخرج زكاة، ولكن لو سئل لأجاب أجزأه (حاشية الصاوي: 1/235).
هذه النية هي الفيصل الذي يميز العبادات والقربات من غيرها، وباشتراط جمهور الفقهاء لها في الزكاة، وأنها لا تُقبل عند الله بغيرها، يتضح لنا الجانب العبادي في الزكاة.
والله أعلم.
إسم المجيب أو المصدر: موقع إسلام أون لاين- د.يوسف القرضاوي