شركة مساهمة تعمل بالكويت في التجارة في الخضراوات وهي قابلة للمكسب والخسارة بنسبة عالية، ولكن ليست شركة مساهمة لها أصولها كالشركات المعروفة، وأنا وصي على أيتام، فهل يجوز لي أن أتاجر في مال الأيتام في هذه الشركة علمًا بأننى أضع مالى فيها وتدر علي دخلاً.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد...
فلم يمنع الشرع من المتاجرة في مال اليتيم،بشرط أن تكون التجارة مأمونة العاقبة في الأغلب،لا أن يكون الأمر مجرد مجازفة.
يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر:
الاتجار في أموال اليتامَى جائز إذا كان فيه مصلحة لهم وكانت التجارة في الأشياء التي يُباح بيعها وشراؤها، وكان الاتجار فيها مضمونَ العواقب في الغالِب بحيث لا تكون هناك مُجازفة بماله أو مُخاطرة، وبحيث يكون التاجر في ماله أمينًا يَخشَى اللهَ عز وجل.
ولا بأس أن يَخلط التاجر مالَه بمال اليتيم في الإنفاق وفي التجارة بحيث يُقدِّر لنَفَقته مبلغًا معلومًا غير مُبالَغ فيه فيَضعه مع نفَقته ونفقة عِياله، قال تعالى: (ويَسْألُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لهمْ خيرٌ وإنْ تُخالِطُوهمْ فإِخْوانُكمْ واللهُ يَعلمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ ولو شاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُمْ إنَّ اللهَ عزيزٌ حَكيمٌ) (البقرة: 220) ويُستحسَن أن يَستَشِير وَصيُّ اليتيم أهلَ الخبرة في تقدير نفَقة اليتيم حتى يَطمئن قلبُه ويَستريح ضميرُه.
وكذلك في الاتِّجار بمَاله وفي تقدير الربح، فيقول لأهل الخبرة:
أنا أُريد أن أُتَاجرَ في مال اليتيم. ويُحدد نوع التجارة ومَكانَها وكيْفَيَّتَها ومدَى الجهد الذي يَبذله فيها وغير ذلك مِن الأمور التي يَستطيع بها أهل الخبرة تقدير الربح له ولليتيم على وجهٍ تَطمئن إليه النفْس، فإنْ قدَّروا لك النِّصف أو الثلث أو الربع أو الخُمس لَزِمَكَ ما قَدَّرُوهُ بالمَعروف، فإنْ خسِر المالُ كان على اليتيم مِن الخسارة بقدْر ربْحه، فإن كان له الربُع مثلًا وقَع عليه الربُع من الخسارة، وهذا النوع مِن التجارة يُسمى المُضارَبة أو المُرابحة.
والاتجار في مال اليتيم يكون في الغالب مِن الأمور المُستحبَّة لقوله تعالى: (ولا تُؤْتُوا السُّفهاءَ أموالَكم التي جعَلَ اللهُ لكم قيامًا وارْزُقُوهُمْ فيها واكْسُوهُمْ وقُولُوا لهمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) (النساء: 5) فالله - عز وجل - لم يَقُل: وارْزُقوهم منها. بل قال: (وارْزُقُوهُمْ فِيها) حتى لا تَنْفَدَ. والسفهاءُ هم الذين خفَّت عقولُهم وعَجزوا عن التصرُّف في أموالهم لصِغرهم أو مَرَضِهم، واليتامى داخلون معهم في هذا.
واعلمْ أن اليتيم شرعًا هو صغيرٌ ماتَ أبوه، فإذا بلغ الحُلُم لم يَعُدْ يَتِيمًا، ولكن لا يُسلَّم له مالُه إلا إذَا بلغ الرشد، وذلك يُعرَف باختباره في التصرُّفات المالية وغيرها، فإذا رأيناه يُحسن التصرُّف سلَّمناه ماله، لقوله تعالى: (وابْتَلُوا اليَتَامَى حتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إليهم أمْوالَهمْ...) الآية (سورة النساء: 6) ومعنى (ابْتَلُوا اليتامى): اخْتَبِرُوهمْ في الأعمال والتصرُّفات المالية وغيرها حتى تَعلموا أنهم قادرون على إدارة أموالهم بخِبرة وحِكْمة.
والله أعلم.
إسم المجيب أو المصدر: موقع إسلام أون لاين- الدكتور محمد بكر إسماعيل - أستاذ التفسير وعلوم القرآن جامعة الأزهر